محمد بن راشد.. فارس السياسة وسياسي الفرسان
احتلت الفروسية مكانة عالية عند العرب منذ أقدم الأزمان، وجاء الإسلام ليعزز هذه المكانة ويكملها في إطار منظومة قيمية متكاملة كان قدوتها ونموذجها الأعلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، بشمائله السامية وخلقه العظيم الذي يعبر عنه الحديث الشريف إنما «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، والذي أكده القرآن الكريم بقوله تعالى: «وإنك لعلى خلق عظيم».
وقد أولى الرسول عليه الصلاة والسلام عناية خاصة للفروسية واهتماما بالخيل وترويضها، حيث ورد عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يضمر الخيل يسابق بها» وانه كان ينعم على الفائزين بالجوائز. وفي الحديث الشريف «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة».
ويرتبط معنى الفروسية في مختلف لغات العالم بالشجاعة والشهامة والثقة بالنفس. وتعد الجزيرة العربية منشأ الفروسية ومهدها الأول، وللفارس شخصية متميزة عند العرب، اقترنت بالبطولة والشيم الأصيلة والأخلاق الرفيعة، واتسمت بالخصال الحميدة والمزايا الكريمة وعزة النفس والإباء والشموخ والترفع والحمية والنخوة.
والفارس العربي سمح السجايا سهل المعشر، لا يبغي على غيره لكنه لا يحتمل الظلم والبغي ولا يستكين. ومن فرسان العرب المشهورين الفارس الشهم عنترة بن شداد الذي يصف الفروسية بأنها «الصبر على الشدائد وتحمل المشاق والآلام». ومن سمات الفرسان حب الشعر ونظمه، حيث نجد معظم فرسان العرب شعراء مجيدين ومتميزين.ولم تكن الفروسية في التاريخ العربي وفي الثقافة العربية الإسلامية مجرد إطار زخرفي أو شعارات تتعثر بها الشفاه وتقف عند حدودها، وإنما كانت ركيزة أساسية من مكونات الشخصية المجتمعية وقيمة محورية تنتظم بها وتدور حولها كل أوجه الحياة والعمل، ثقافيا واجتماعيا وسياسيا.
وعلى النقيض من كل هذه القيم النبيلة والمثل العليا، نجد السياسي الايطالي سيئ الصيت نيقولا ميكافيللي (1469-1527) يجرد السياسة من أية معايير أخلاقية أو إنسانية، حيث اشتهر بوصاياه اللاأخلاقية وبمقولته الشهيرة «الغاية تبرر الوسيلة»! فهو يعتبر أن «السياسة تقوم على العنف والخداع والغش والكذب والتمويه».
ويرى أن الأفضل للسياسي أو «الأمير» أن يكون اقرب إلى الشر والسوء منه إلى الطيبة والخير. وهذا ما يبدو أن السياسة الراهنة في غالبها المهيمن عالمياً تتبناه وتسير عليه إلى حد يتجاوز في بعض الأحيان ما قرره ميكافيللي ودعا إليه قبل نحو خمسة قرون من الآن!
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، نموذج ناصع لمعاني الفروسية الأصيلة وقيم الفارس النبيل الذي نقل الفروسية في عصره من إطارها النظري إلى منهج للحياة وواقع عملي مشهود، واستطاع بحنكته وحكمته أن يفهم لغة العصر وموازينه، وعرف كيف يواجه «ميكافيللية العصر» المتوحشة دون رهبة أو خوف.
ولكن أيضا دون اندفاعات المتهورين وتصورات الواهمين خارج إطار العصر ومنطقه، كما حدث في الماضي وما زال يحدث لدى البعض، «وبضدها تتبين الأشياء» كما قال عبقري الشعر العربي وفارس الكلمة أبو الطيب المتنبي.
ولن نذهب بعيدا في العموميات والكلام المجرد، فمواقف الفارس الشهم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ومنهجه العملي وسيرته الخصبة بالإبداع والتميز اللذين أصبحا سمة خاصة لسموه وعلامة مسجلة باسمه، كلها تغني وتزيد عن الاسترسال دون شواهد ووقائع تظهر بعض الحقيقة وتبرز جانبا من الصورة التي لا يمكن الإحاطة بها، خاصة في مثل هذا الاستعراض الموجز والإطلالة السريعة.
*مفاتيح العبور
للاقتراب من شخصية غنية بحضورها ومواقفها وانجازاتها العملاقة، مثل شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، بأبعادها القيادية والفكرية والإنسانية، لا بد من العبور عبر بوابات النشأة الأولى وعتبات التأسيس والتكوين الأساسية التي لا يمكن الدخول إليها إلا بمفاتيح محددة ومعتمدة.
فقد نشأ سموه في كنف والده المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، الذي نهل من معينه الحنكة والبصيرة النافذة وكان معلمه الأول وقدوته في العمل والبناء.
أما علاقة سموه بحكيم العرب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي كان له بمنزلة «الوالد القائد والمعلم»، فقد كانت نموذجا فريدا لقيم الفروسية وأخلاق الفرسان.
وقد استلهم منه الحكمة وبعد النظر وشمولية الرؤية، وتجاوزت العلاقة بينهما حدود الرسميات والمسؤوليات لتصبح علاقة فكرية وروحية من نوع إنساني خاص، انعكس إخلاصا ووفاء في قصائد كثيرة متبادلة ومناجاة شعرية صادقة، أثرت قرائح الشعراء وزينت جيد القصيدة النبطية بدرر ولآلئ خالدة.
ومن مدرسة الحنكة والحكمة هذه، كان طبيعيا أن تتشكل الشخصية القيادية الفريدة والمتكاملة التي صقلتها الخبرة الذاتية وتجارب الممارسة الميدانية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، لتتحقق على يديه كل هذه الانجازات الشامخة التي تتسابق في ما بينها وتسابق الزمن، برؤية مستقبلية واعية وتخطيط محكم وتميز في الأداء وحسن التنفيذ.
*إنجازات مشهودة
الحديث عن انجازات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حديث متشعب وطويل، فكل سيرته العملية مسيرة انجازات لا تتوقف منذ أن كان أول رئيس للشرطة والأمن العام في دبي عام 1968، وإنما نتوقف عند بعض هذه الانجازات على سبيل الدلالة والإشارة.
ولا شك أن من ابرز هذه الانجازات المستوى المتميز من الأمان والاستقرار الذي تنعم به دولة الإمارات عامة ودبي خاصة، والذي يعود الفضل فيه إلى رئيس الشرطة والأمن العام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وأعوانه الذين أحسن اختيارهم وتوجيههم، منذ النشأة وعلى مدى المسيرة.
كما يعود لسموه الدور الأكبر في انجاز مشروع حوض دبي الجاف، اكبر مشروع من نوعه في المنطقة، والذي تولى سموه الإشراف عليه بتكليف من والده المغفور له الشيخ راشد. وهو كذلك صاحب فكرة إنشاء وتأسيس «طيران الإمارات» في السبعينات، وتحديدا في عام 1977، والتي أصبحت اليوم واحدة من ابرز وانجح شركات الطيران على مستوى العالم.
وفي ديسمبر عام 1998 أنشأ سموه «جائزة دبي الدولية للقران الكريم»، بفرعيها الشخصية الإسلامية والمسابقة العامة، وحددت أهداف هذه الجائزة السنوية بخدمة كتاب الله تعالى والارتقاء بالمستوى العام للأداء القرآني من خلال تحفيز الأجيال الناشئة على الالتزام بدينها وإدراك واجباتها تجاه عقيدتها ورسالتها الإسلامية.
وتأكيدا لمبدأ سموه الراسخ بأن «الفريق الناجح هو الذي يجعل من 1+1=11»، وقوله ان «الانتظار لم يكن خيارنا أبدا»، فقد اتجه سموه إلى المشاريع المستقبلية الضخمة ذات المستوى العالمي الرفيع، مثل حكومة دبي الالكترونية التي كانت أول حكومة الكترونية كاملة في العالم، ومدينة دبي للانترنت التي أعلن عن إنشائها عام 1999 .
ودشنها سموه في بداية الألفية الجديدة عام 2000، و«دبي للإعلام» في العام التالي ومركز دبي المالي العالمي عام 2002 وإطلاق برنامج الأداء الحكومي المتميز في العام نفسه، والكثير الكثير غيرها من الانجازات والمشاريع المتميزة.
وتقديرا لانجازات سموه ودوره الريادي فقد حصل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد على جائزة الإبداع لعام 2005 من الاتحاد الفيدرالي لصناعة السفر في ألمانيا، كما اختير سموه الثامن ضمن ابرز 35 شخصية عالمية، في دراسة أعدتها مجلة «تايم» الأميركية ومحطة «سي ان ان» التلفزيونية عام 2004.
*الإنسان أولاً
«الإنسان أغلى ثروات الوطن وأهمها»، بهذه القناعة الراسخة في فكره وممارسته يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد مدى أهمية إنسان الوطن وثروته البشرية، وواجب توفير كل الإمكانات اللازمة لنموه وتطوره، تعليميا وصحيا وتسليحه بأحدث وسائل العلم والمعرفة وإعطائه الفرصة الكاملة للمشاركة في بناء الوطن وصيانة انجازاته ومكتسباته.
وانطلاقا من هذه الرؤية المستنيرة والمتكاملة، أولى سموه اهتماما خاصا بالشباب وجيل المستقبل، وكجزء من هذا الاهتمام أطلق سموه عام 2002 «مؤسسة محمد بن راشد لمشاريع الشباب»، إيمانا منه بدور شباب الوطن في ازدهاره ونموه وضرورة الاستفادة من طموحاتهم وقدراتهم في سبيل تحقيق التنمية الشاملة.
وفي هذا الإطار أيضا، أمر سموه في فبراير الماضي بالبدء في تنفيذ مشروع سكني جديد للمواطنين الشباب، بتكلفة إجمالية تقدر بعشرة مليارات درهم ويضم عشرة آلاف وحدة سكنية.
ويؤكد سموه على الدوام لأولياء الأمور والأهالي ضرورة وأهمية التمسك بالقيم والتقاليد العربية الأصيلة في تعليم الأبناء وغرس هذه القيم في نفوسهم، كما أسس سموه «مركز محمد بن رشد للمرأة والطفل» الذي يعتبر من أهم المؤسسات الاجتماعية المتميزة في هذا المجال.
*الثقافة والإبداع
وبصفته شاعرا مبدعا وشخصية ثقافية من طراز فريد، لم تشغله مهامه ومسؤولياته الجسام، سياسيا واقتصاديا، عن ان يعطي الثقافة حقها ويوليها رعايته واهتمامه الخاص على المستويات كلها، سواء على المستوى الثقافي العام أو في المجالات المتخصصة مثل السينما والمسرح، وغيرها من المجالات الإبداعية الأخرى.
فقد أمر سموه في ديسمبر الماضي بإنشاء دار للأوبرا ومتحفين احدهما للفنون والآخر عام «مكافأة للمتذوقين للثقافة والفن والجمال، وكذلك للتعريف بالوجه الآخر لدولتنا وحبها للحضارة والثقافة والسلام».
كما أوضح سموه أثناء الإعلان عن هذا العطاء الإنساني الجديد. يضاف إلى ذلك انجاز «مهرجان دبي السينمائي الدولي» الذي انعقدت دورته السنوية الأولى عام 2004، والعديد من الانجازات الثقافية والفنية الأخرى التي يضيق المجال هنا عن ذكرها.
وفي ميدان الشعر الأقرب إلى قلبه ووجدانه، سعى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد لنشر الاهتمام بالشعر النبطي باعتباره جزءا مهما من ثقافة وتراث الأمة وشارك في مطارحات شعرية مع العديد من ابرز الشعراء في المنطقة، كما شجع الآخرين .
وحثهم على نظم الشعر وتذوقه من خلال اللغز الذي يطرحه سموه بين فترة وأخرى ويرصد جائزة سخية لكل من يتمكن من الرد عليه، وقد تجاوب معه الكثير من الشعراء، وقد بلغ عدد الردود على اللغز الخامس، على سبيل المثال، 12 ألفا من جميع أرجاء الوطن العربي.
*البعد العربي والإنساني
لم تقف أيادي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عند الحدود القطرية لدولة الإمارات، بل امتدت أياديه البيضاء واهتمامه العميق إلى أرجاء الوطن العربي والى النطاق الإنساني الأشمل.
فقد لعب دورا بارزا في مساندة لبنان خلال الحرب الأهلية واشرف على إرسال قوات من دولة الإمارات عام 1976 بصفته وزيرا للدفاع، للمشاركة في قوات الردع العربية من اجل المحافظة على الأمن والسلم في هذا البلد الشقيق، ولم يكتف بذلك بل ذهب بنفسه على متن طائرة إلى شمالي لبنان لإلقاء المساعدات وإغاثة الجرحى أثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1987.
وفي إطار دعم ومساندة الشعب الفلسطيني، قدم سموه منحة خاصة لإقامة «مركز محمد بن راشد آل مكتوم للطفل الفلسطيني» في مدينة الخليل وتم الانتهاء من تشييده في عام 2001 ليكون مركزا ثقافيا للأطفال متعدد الاستخدامات،.
ويشتمل على مسرح يتسع ل400 شخص ومكتبة ومركز للكمبيوتر، إضافة إلى غرف للأنشطة والموسيقى، ويستفيد منه المدارس المحلية والجمعيات الأهلية الموجودة في جنوب الضفة الغربية باعتباره الأول من نوعه لأنشطة الأطفال في المنطقة.
وتعتبر مؤسسة محمد بن راشد للأعمال الخيرية والإنسانية، أحد اكبر واهم المؤسسات العاملة في هذا المجال، عربيا ودوليا.
*الرياضي الأول
تعلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بحب الخيل وأولاها اهتمامه منذ نعومة أظافره، كما اهتم بنشر الفروسية بين الشباب وتشجيعهم على الرياضات المختلفة. وقد قاد سموه فرسان الإمارات إلى الفوز في العديد من البطولات العربية والدولية، كما فاز نجلاه سمو الشيخ راشد وسمو الشيخ حمدان، على التوالي، ببطولة العالم للقدرة عامي 1999 و2000. وفي عام 2002 فاز نجله سمو الشيخ احمد ببطولة العالم للقدرة ليصبح بذلك اصغر بطل سنا على مستوى العالم.
وفي إطار تشجيع الرياضة ودعم الرياضيين، أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عام 1998 بتأسيس «برنامج محمد بن راشد للرياضة واللياقة البدنية»، الذي استقطب عشرات الآلاف من المواطنين والمقيمين في دولة الإمارات، تحت إشراف الإدارة العامة لخدمة المجتمع في القيادة العامة لشرطة دبي.
وفي سبتمبر الماضي 2005 وأثناء زيارته لمقر نادي دبي للرياضات الخاصة، أمر سموه بإنشاء ناد خاص للفتيات أسوة بنادي الشباب، بحيث يتم تجهيزه بأحدث المعدات والأجهزة العلاجية والمعدات الرياضية.